تأجيل زيارة بوتين لتركيا- غموض يُثير التساؤلات حول العلاقات

المؤلف: محمود علوش11.17.2025
تأجيل زيارة بوتين لتركيا- غموض يُثير التساؤلات حول العلاقات

كان من المُفترض أن يستقبل الرئيس التركي نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في الثاني عشر من شهر فبراير، إلا أن مصادر تركية رفيعة المستوى صرحت لوكالة "تاس" الروسية بتأجيل هذا اللقاء المرتقب إلى أجل غير مسمى.

تكرار هذا السيناريو، حيث يتم الإعلان عن موعد للزيارة ثم يتم تأجيله، خلق حالة من الترقب والقلق في آن واحد، وأثار تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التأخير المستمر، بل جعل مسألة تحديد الموعد تضاهي أهمية الزيارة ذاتها.

ففي شهر أبريل من العام الماضي، أبدى الرئيس أردوغان تفاؤله بإمكانية حضور بوتين حفل افتتاح محطة "أكويو" للطاقة النووية، إلا أن الرئيس الروسي اكتفى بالمشاركة عن طريق الفيديو.

وفي مطلع شهر فبراير الحالي، تناقلت وسائل الإعلام الروسية أخبارًا عن إغلاق البنوك التركية لحسابات الشركات الروسية، وذلك على خلفية العقوبات الأمريكية الجديدة التي تستهدف البنوك الأجنبية المتهمة بدعم الصناعات العسكرية الروسية.

وفي أغسطس الماضي، عاد أردوغان ليُعلن عن توقعاته بزيارة قريبة لبوتين، ولكن هذه التوقعات لم تتحقق أيضًا. ومن اللافت للنظر أن العلاقات التركية الروسية، التي شهدت تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، لم تشهد مثل هذا الغموض والتأخير في تحديد مواعيد زيارة الرئيسين المتبادلة.

يثير هذا التأجيل المتكرر للزيارة تساؤلات جوهرية، أبرزها أن الجانب التركي هو من يبادر دائمًا بالإعلان عن المواعيد دون الحصول على تأكيد رسمي من الجانب الروسي. كما أن روسيا لم تنفِ بشكل قاطع نية بوتين في زيارة تركيا، بل كانت تتحدث باستمرار عن الملفات والقضايا التي سيتم تناولها خلال الزيارة، دون التطرق إلى الموعد المحدد. هذه المعطيات تجعل من الصعب فهم الأسباب الحقيقية وراء هذا التأخير، خاصة في ظل العلاقات القوية التي تربط البلدين.

في حين أن عدم إتمام الزيارة في أبريل الماضي قد يُعزى إلى انتظار بوتين لنتائج الانتخابات الرئاسية التركية، إلا أن التأجيلات المتكررة في أغسطس وفبراير تثير شكوكًا حول وجود خلافات خفية بين البلدين تعيق الاتفاق على موعد مُحدد.

مما زاد من هذه التكهنات أن بوتين نفسه أشار إلى الزيارة المرتقبة خلال مؤتمره الصحفي السنوي في نهاية العام الماضي، مُعربًا عن نيته زيارة تركيا في بداية العام الجديد، وهو ما فُهم منه أن الزيارة ستتم في يناير أو فبراير على أقصى تقدير.

على الرغم من أن أنقرة وموسكو لم تُظهرا أي خلافات علنية قد تعرقل الاتفاق على موعد الزيارة، إلا أن استعراض بعض الأحداث البارزة في العلاقات التركية الروسية منذ الإعلان عن أول موعد للزيارة قد يُلقي الضوء على الأسباب الكامنة وراء هذا الغموض.

ففي الفترة التي سبقت الموعد الثاني المُعلّق في أغسطس الماضي، أثار سماح تركيا لخمسة من قادة كتيبة "أزوف" الأوكرانية بالعودة إلى بلادهم برفقة الرئيس الأوكراني زيلينسكي، استياءً شديدًا من جانب موسكو، التي اتهمت أنقرة بخرق الاتفاق الذي يقضي ببقاء هؤلاء القادة في تركيا حتى نهاية الحرب.

بالإضافة إلى ذلك، ومع بداية شهر فبراير الجاري، انتشرت تقارير إعلامية روسية تفيد بأن البنوك التركية بدأت في تجميد حسابات الشركات الروسية، وذلك امتثالًا للعقوبات الأمريكية الجديدة التي تستهدف المؤسسات المالية المتهمة بدعم المجهود الحربي الروسي. ورغم أن تركيا لم تؤكد هذه التقارير بشكل رسمي، إلا أن الكرملين أعلن عن تواصله مع أنقرة لمعالجة هذه القضية.

وفي شهر يناير الماضي، وقّعت تركيا مذكرة تفاهم مع رومانيا وبلغاريا للتعاون في مجال مكافحة الألغام البحرية في منطقة البحر الأسود. ورغم أن موسكو لم تُعلق على هذه الخطوة، إلا أنها تُعتبر جزءًا من جهود تركيا لتعزيز تعاونها مع دول حوض البحر الأسود، التي تنظر إلى السياسات الروسية في المنطقة على أنها تهديد للاستقرار الجيوسياسي. وفي نفس الشهر، صادقت تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".

إن استمرار العلاقات التركية الروسية في فترة ما بعد الحرب في أوكرانيا، والنمو المتزايد في حجم التبادل التجاري بين البلدين، لا يُخفي حقيقة أن هذا الاستقرار يواجه تحديات متزايدة، وذلك بسبب علاقات أنقرة الوثيقة مع أوكرانيا ودعمها لانضمام كييف إلى حلف الناتو، بالإضافة إلى التعاون التركي المتنامي مع دول حوض البحر الأسود الأخرى، وسعي تركيا لتحسين علاقاتها مع الغرب.

لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الموعد الجديد المحتمل للزيارة، والذي قد يكون في نهاية أبريل أو بداية مايو المقبل، سيضع حدًا لهذا الغموض الذي يحيط بالزيارة. ولكن المؤكد أن الظروف لإجراء الزيارة لم تنضج بشكل كامل بعد، وأن هذه الظروف لا تتعلق فقط باختيار الموعد المناسب، بل تتطلب تهيئة بيئة إيجابية في العلاقات التركية الروسية تُساعد على إتمام الزيارة بنجاح.

لقد بات الاتفاق على موعد الزيارة يحمل في طياته أهمية قصوى، قد تفوق أهمية الزيارة نفسها. ويمكن استخلاص أن المساعي التركية المتواصلة لتحديد مواعيد متكررة للزيارة، والتأكيد الروسي المستمر على أن الزيارة ستُجرى، يعكسان رغبة البلدين في أن تكون هذه الزيارة المنتظرة بمثابة نقطة تحول جديدة في مسار العلاقات التركية الروسية، وتعزيزها في مختلف المجالات.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة